فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري:

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بالدين (1)}
التفسير:
هذا مثال آخر لكون الإنسان في خسر.
قال ابن جريج: نزلت في أبي سفيان كان ينحر جزورين في كل أسبع فأتاه يتيم فسأله لحمًا فقرعه بعصاه.
وقال مقاتل: نزلت في العاص بن وائل السهمي ومكان من صفته الجمع بين التكذيب بيوم القيامة والإتيان بالأفعال القبيحة.
وعن السدي: نزلت في الوليد بن المغيرة وقيل: في أبي جهل. حكى الماوردى أنه كان وصيًا ليتيم فجاءه وهو عريان أن يسأله شيئًا من مال نفسه فدفعه ولم يعبأ به فأيس الصبي فقال له أكابر قريش استهزاء: قل لمحمد يشفع لك فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم والتمس منه الشفاعة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد محتاجًا فذهب معه إلى أبي جهل فقام أبو جهل ورحب به وبذل المال لليتيم فعيره قريش فقالوا: صبأت فقال: لا والله ما صبأت لكن رأيت عن يمينه وعن يساره حربة خفت إن لم يطعنها فيّ.
وقال كثير من المفسرين: إنه عام لكل من كان مكذبًا بيوم الدين والمعنى: هل عرفت الذي يكذب الجزاء من هو فإن لم تعرفه فهو الذي يدع اليتيم، وذلك لأن إقدام الإنسان على الطاعات وإحجامه عن المحظورات إنما يكون للرغبة في الثواب أو الرهبة من العقاب. فإذا كان منكرًا للقيامة لم يترك شيئًا من المشتهيات واللذات، فإنكار المعاد كالأصل لجميع أنواع الكفر والمعاصي، والغرض منه لتعجيب كقولك: (أرأيت فلانًا ماذا ارتكب) والخطاب لكل عاقل، أو للرسول صلى الله عليه وسلم.
وقيل: الدين هاهنا هو الإسلام لأنه عند الإطلاق يقع عليه وسائر الأديان كلادين، أو يتناولها مع التقييد كقولك (دين النصارى أو اليهود) والدع الدفع بالعنف كما مر في الطور ذكر شيئين من قبائح أفعال المكذب بالجزاء على سبيل التمثيل وسبب تخصيصهما أنهما منكران بحسب الشرع وبحسب العقل والمروءة أيضًا. وفي لفظ {يدع} بالتشديد رحمة من الله على عباده وإشارة إلى أنه إن صدر أدنى استخدام له أو شيء مما يكرهه الطبع دون الاستفخاف التام والزجر العنيف كان معفوًا عند الله ولم يكتب في زمرة المكذبين بالدين، ولاسيما إذا كان بغير اختيار والحض الحث وقد مر في (الفجر). ولما كان إيذاء اليتيم والمنع من الإطعام دليلًا على النفاق فالصلاة لا مع الخشوع كانت أولى بأن تدل على النفاق قال: {فويل للمصلين} وجوز جار الله أن يكون فذلك عطفًا على الذي يكذب إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة، ويكون جواب {أرأيت} محذوفًا لدلالة ما بعده عليه كأنه قيل: أخبرني ما تقول فيمن يكذب بالجزاء وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين، أنعم ما يصنع أو أخبرني ما تقول في وصف هذين الشخصين أمرضيّ ذلك؟ ثم قال: {فويل للمصلين} أي إذا علم أنه مسيء فويل لهم، فوضع صفتهم موضع ضميرهم.
وجمع. لأن المراد بالذي هو الجنس ووجه الاتصال أنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم. وفيه أنهم كما قصروا في شأن المخلوق حيث زجروا اليتيم ولم يحضوا على إطعام المسكين فقد قصروا في طاعة الخالق فما صلوا وما زكوا. والسهو عن الصلاة تركها رأسًا أو فعلها مع قلة مبالاة بها كقوله: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} [النساء: 142] وهو قول سعد بن أبي وقاص ومسروق والحسن ومقاتل: وفائدة عن المفيدة للبعد والمجاوزة هذه. وأما السهو في الصلاة فذلك أم غير اختياري فلا يدخل تحت التكليف، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة، وقد أثبت الفقهاء لسجود السهو بابًا في كتبهم.
وعن أنس: الحمد لله الذي لم يقر (في صلاتهم) ولعل في إضافة الصلاة إليهم إشارة إلى أن تلك الصلاة لا تليق إلا بهم لأنها كلا صلاة من حيث إنهم تركوا شرائطها وأركانها فلم يكن هناك إلا صورة صلاة صح باعتبارها إطلال المصلين عليهم في الظاهر. ويجوز أن يطلق لفظ المصلين على تاركي الصلاة بناء على أنهم من جملة المكلفين بالصلاة ومعنى المفاعلة في المرآة أن المرائي يرى الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به وقد مر في قوله: {رئاء الناس} [النساء: 142] و{يراءون الناس} [البقرة: 264] ولا بأس بالإراءة إذا كان الغرض الاقتداء أو نفي التهمة واجتناب الرياء صعب إلا على من راض نفسه وحملها على الإخلاص ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود» وفي {الماعون} أقوال: فأكثر المفسرين على أنه اسم جامع لما لا يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني في أغلب الأحوال ولا ينسب سائله إلى لؤم بل ينسب مانعه إلى اللؤم والبخل كالفأس والقدر والدلو والمقدحة والغربال والقدوم، ويدخل فيه الماء والملح والنار لما روي «ثلاثة لا يحل منعها الماء والنار والملح» ومن ذلك أن يلتمس جارك الخبز في تنورك أو أن يضع متاعه عندك يومًا أو نصف يوم.
قالوا: هو (فاعول) من المعن وهو الشيء القليل ولا منه ماله سعنة ومعنة أي كثير وقليل. وقد تسمى الزكاة ماعونًا لأنه يؤخذ من المال ربع العشر وهو قليل من كثير.
قال العلماء: ومن الفضائل أن يستكثر الرجل في منزله مما يحتاج إليه الجيران فيعيرهم ذلك ولا يقتصر على قدر الضرورة، وقد يكون منع هذه الأشياء محظورًا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار.
وعن أبي بكر وعلي رضي الله عنهم وابن عباس وابن الحنيفة وابن عمرو والحسن وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والضحاك: هو الزكاة لأنه تعالى ذكرها عقيب الصلاة.
وقال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الماعون هو الماء ولعله خص بالذكر لأنه أعز مفقود وأرخص موجود وأول آلام أهل النار.
{أفيضوا علينا من الماء} [الأعراف: 50] وأول لذات أهل الجنة {وسقاهم ربهم شرابًا} [الدهر: 21] وقيل: هو حسن الانقياد والطاعة. وفي الآيتين إشارة إلى أن الصلاة لي والماعون للخلق، فالذي يحب أن يفعل لأجلي يرونه الناس والذي هو حق الخلق يمنعونه منهم فلا يراعون جانب التعظيم لأمر الله ولا جانب الشفقة على خلق الله وهذه كمال الشقاوة نعوذ بالله منها والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة الدين وتسمى سورة الماعون:
مكية في قول عطاء وجابر وأحد قولي ابن عباس رضي الله عنهما، ومدنية في قول له آخر وهو قول قتادة وغيره.
وهي سبع آيات.
وخمس وعشرون كلمة.
ومائة وثلاثة وعشرون حرفًا.
{بسم الله} الذي له كل كمال {الرحمن} الذي عم جميع عباده بالنوال {الرحيم} الذي خص أولياءه بنعمة الإفضال.
وقوله تعالى: {أرأيت} استفهام معناه التعجب.
وقرأ نافع بتسهيل الهمزة بعد الراء ولورش أيضًا إبدالها ألفًا، وأسقطها الكسائيّ.
قال الزمخشريّ: وليس بالاختيار لأن حذفها مختص بالمضارع، ولم يصح عن العرب ريت، ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أول الكلام، ونحوه:
صاح هل ريت أو سمعت براع ** رد في الضرع ما قرى في الحلاب

وخففها الباقون، والمعنى: أرأيت {الذي يكذب} أي: يوقع التكذيب لمن يخبره كائنًا من كان {بالدين} أي: بالجزاء والحساب، أي: هل عرفته أم لم تعرفه.
{فذلك} بتقدير هو بعد الفاء، أي: البغيض البعيد المبعد من كل خير {الذي يدُّع} أي: يدفع دفعًا عظيمًا بغاية القسوة {اليتيم} ولا يحث على إكرامه لأنّ الله تعالى نزع الرحمة من قلبه، ولا ينزعها إلا من شقي لأنه لا حامل على الإحسان إليه إلا الخوف من الله تعالى، فكان التكذيب بجزائه مسببًا للغلظة عليه.
وقال قتادة: يقهره ويظلمه فإنهم كانوا لا يورّثون النساء ولا الصغار، ويقولون: إنما يحوز المال من يطعن بالسنان ويضرب بالحسام.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من ضم يتيمًا من المسلمين حتى يستغني فقد وجبت له الجنة». واختلف فيمن نزل ذلك فيه، فقال مقاتل: في العاص بن وائل السهمي.
وقال السديّ: في الوليد بن المغيرة.
وقال الضحاك: في عمرو بن عابد المخزومي.
وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: في رجل من المنافقين.
وقيل: في أبي جهل.
{ولا يحض} أي: يحث نفسه ولا غيره {على طعام المسكين} أي: بذله له وإطعامه إياه، بل يمقته ولا يكرمه ولا يرحمه، وقد تضمن هذا أنّ علامة التكذيب بالبعث إيذاء الضعيف، والتهاون بالمعروف ولما كان هذا مع الخلائق أتبعه حاله مع الخالق بقوله تعالى: {فويل} أي: عذاب، أو واد في جهنم {للمصلين الذين هم} أي: بضمائرهم وخالص سرائرهم {عن صلاتهم} التي هي جديرة بأن تضاف إليهم لوجوبها عليهم وإيجابها لأجل مصالحهم ومنافعهم بالتزكية وغيرها {ساهون} أي: عريقون في الغفلة عنها وتضييعها، وعدم المبالاة بها، وقلة الالتفات إليها.
وروى البغويّ بسنده أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال: «هو إضاعة الوقت».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس ويصلونها في العلانية مع الناس إذا حضروا» لقوله تعالى: {الذين هم} أي: بجملة سرائرهم {يراؤون} أي: بصلاتهم وغيرها الناس، لأنهم يفعلون الخير ليراهم الناس لا لرجاء الثواب، ولا لخوف العقاب من الله تعالى، ولذلك يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس.
وقال إبراهيم: هو الذي يلتفت في صلاته.
وقال قطرب: هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله تعالى.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو قال في صلاتهم ساهون لكانت في المؤمنين.
وقال عطاء: الحمد لله الذي قال تعالى: {عن صلاتهم ساهون} ولم يقل في صلاتهم ساهون فدل على أنّ الآية في المنافقين وقال قتادة: ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصلّ.
وقال مجاهد: غافلون عنها متهاونون بها.
وقال الحسن: هو الذي إن صلاها صلاها رياء، وإن فاتته لم يندم، وقيل: هم الذي يسهون عنها قلة مبالاة بها حتى تفوتهم، أو يخرج وقتها، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف، ولكن ينقرونها نقرأ من غير خشوع، ولا اجتناب لما يكره فيها من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدري الواحد منهم عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السورة، وكما ترى صلاة أكثر من ترى من الذين عادتهم الرياء بأعمالهم، ومنع حقوق أموالهم والمعنى: أنّ هؤلاء أحق أن يكون سهوهم عن الصلاة التي هي عماد الدين.
والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام علمًا على أنهم مكذبون بالدين، وكم ترى من المتسمين بالإسلام بل بالعلم من هو منهم على هذه الصفة فيا مصيبتاه.
فإن قيل: كيف جعل المصلين قائمًا مقام ضمير الذي يكذب، وهو واحد؟
أجيب: بأن معناه الجمع لأنّ المراد به الجنس..
فإن قيل: أي: فرق بين قوله تعالى: {عن صلاتهم} وقولك في صلاتهم؟
أجيب: بأن معنى عن أنهم ساهون عنها سهو ترك وقلة التفات إليها وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشياطين من المسلمين، ومعنى في أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلًا عن غيره، ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم.
وعن أنس الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم، وقد مرّت الإشارة إلى بعض ذلك..
فإن قيل: ما معنى المراآة؟
أجيب: بأنها مفاعلة من الإراءة، لأن المرائي يري الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائيًا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا غمة في فرائض الله» لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين، ولأنّ تاركها يستحق الذم والمقت فوجب إناطة الهمة بالإظهار، وإن كان تطوّعًا فحقه أن يخفي لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصدًا للاقتدار به كان جميلًا.
وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فتثني عليه بالصلاح.
وعن بعضهم: أنه رأى رجلًا في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطال، فقال: ما أحسن هذا لو كان في بيتك، وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة على أنّ اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود».
ثم بين أن من هو بهذه الصفة يغلب عليه الشح بقوله تعالى: {ويمنعون} أي: على تجدد الأوقات {الماعون} أي: حقوق الأموال والشيء اليسير من المنافع، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الماعون الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهي رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال مجاهد: الماعون أعلاها الزكاة المفروضة، وأدناها عارية المتاع.
وعن علي أنها الزكاة.
وقال محمد بن كعب الكلبيّ: الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم.
وقال قطرب: أصل الماعون من القلة، تقول العرب: ما له سعنة ولا معنة، أي: شيء قليل فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعونًا لأنه قليل من كثير وقيل: الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار. وقول البيضاويّ تبعًا للزمخشري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة أرأيت غفر له إن كان للزكاة مؤدّيًا» حديث موضوع. اهـ.